اليمن.. تحلق خارج السرب!!

في ظل السعي الشره للإنسان للحصول على الطاقة التي تمثل العمود الفقري لتطور في كثير من البلدان المتقدمة، عمل جاهداً في البحث عن مصادر الطاقة وتوفيرها وقد مثلت تلك التصرفات طفرة نوعية هامة، وخصوصاً في حقبة الثورة الصناعية ليكون لها أثر اقتصادي إيجابي على حياة البشر وتطورهم، وقد كان ثمن ذلك التطور الكثير من الأثار السلبية على المحيط البيئي والذي لم يكن مكترثاً به، ومعرضاً بذلك الحياة البيئية للخطر الأمر الذي أدي إلى اختلال خطير في التوازن البيئي، غير مدرك بان تصرفاته الجائرة قد تكون يوماً ما هي سبب في تهدد بقائه على وجه الكرة الأرضية.
لم يمضي الكثير من الوقت ليشهد المناخ حالة من التغير المفزع الذي كلف البشرية الكثير والكثير، حيث بدأت أثار التغير المناخي تلقي بضلالها على كل من يسكن الكرة الأرضية، حيث بدأت طبقة الأوزون بالتفكك جراء الاستخدام المفرط للمواد المركبة وخصوصاً مادة الكلوروفلوروكربون (CFC) الذي تم تخفيض كمية إنتاجها بعد اكتشاف ثقب الأوزون، لم يكن ثقب الأوزون وحده أحد أثار التغير المناخي ولكن ظهرت الكثير من المشاكل والتي منها ظاهرة التصحر والذي يأتي على الكثير من مناطق الغطاء النباتي، بالإضافة إلى ارتفاع منسوب البحار الناتج عن ارتفاع درجة حرارة الأرض والتي تؤدي إلى ذوبان الكتل الجليدية نتيجة ما يسمى بالاحتباس الحراري، الأمر الذي يهدد بغرق الكثير من المدن الساحلية، وقد سجل العلماء زيادة في متوسط نسبة ارتفاع مستوى سطح البحر بحدود 1.8 ملم سنوياً وذلك في سنوات المئة الماضية، ومناطق الساحل الإفريقي وحزام مناطق المناخ شبه الجاف الذي يمتد حول القارة الإفريقية أسفل الصحراء الشمالية منها خير دليل على ارتفاع منسوب البحار.
كل تلك الأثار عن التغيرات المناخية وغيرها كان لها السبب في نزوح أكثر من 42.3 مليون فرد في آسيا والمحيط الهادئ وذلك بين عامي 2010 و 2011، فهذا النزوح السكاني الكثيف يحمل معه حالة من عدم الاستقرار الأمني الناجم عن النزوح وهو ما يعرف باسم “حالات الطوارئ المعقدة” حيث إن لتغير المناخي القدرة على زيادة الصراعات أو خلق صراعات جديدة.

هذه النتائج وغيرها حفزت الناشطين والمنظمات الداعية لحماية البيئة بالضغط على الحكومات من أجل اتخاذ إجراءات جادة وصارمة تعمل على التخفيف من حدة التغير المناخي ومعالجة أثاره والحفاظ على البيئة بما يضمن التوازن البيئي، حيث استجابت الكثير من الدول المتقدمة لتلك الضغوط ولو إن استجابتها لا تزال على استحيا، حيث تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات لتعزيز الاستجابة لتغير المناخ.

اليمن ودورها في الاستجابة لتغير المناخ

قامت اليمن بالاستجابة لتغير المناخي في عام 2003، فلا تزال استجابتها لتغير المناخي مبهمة وغير واضحة حتى اللحظة حيث استحداث وزارة المياه والبيئة والتي في تعريفها تهتم بالمياه فقط، ونلمس ذلك من الوهلة الأولى من خلال التعريف الخاص بإنشاء الوزارة والمنشور في الواجهة الأمامية للموقع الإلكتروني الخاص بها ومن القانون الذي تم إنشائها من خلاله حيث ينص التعريف الخاص بالوزارة على “تم إنشاء وزارة المياه والبيئة في مايو 2003م حيث يعكس إنشاؤها استيعاب سياسي لمشكلات المياه وتوجهاً للتصدي لها وقناعة من الجميع بضرورة إيلاء مسئولية قطاع المياه لجهة حكومية واحدة تعمل على تنميته وإدارته” متناسياً الدور الأساسي الذي يجب أن تضطلع به وهو حماية البيئة.
في صباح يوم الأحد الموافق 5 مارس 2017 توجهت إلى مبنى وزارة المياه والبيئة كي أتعرف على السياسة الوطنية لمكافحة التغير المناخي التي تتبناه الوزارة، وكانت هناك الصاعقة فعند لقائي بأحد المسؤولين في قطاع البيئة والذي أفضل عدم ذكر اسمه، وسؤالي له عن السياسة الوطنية لمكافحة التغير لمناخي رد قالاً “لا توجد لدينا سياسة وطنية لمكافحة التغير المناخي، مردفاً هل تعتقد بإنه إذا كان هناك سياسة وطنية لمكافحة التغير المناخي هل ستشاهد السيارات تمشي في الشوارع وهي تملى الأرجاء بعوادمها؟! إذا كان هناك سياسة وطنية لمكافحة التغير المناخي هل ستشهد الحفر العشوائي للآبار الارتوازية التي تضر بالثروة المائية؟!، هل كنت ستشاهد المخلفات البلاستكية تملى كل مكان في اليمن؟! هل كنت ستشاهد المصانع تنثر أدخنتها من بين الأحياء السكنية وترمي مخلفاتها في مجاري المياه؟!، هل كنت ستشاهد جرف للشعاب المرجانية والثروة السمكية؟!، هل كنت ستشاهد التصحر يقضي على أراضي زراعية كل يوم؟!، هل كنت ستشاهد استخدام مبيدات زراعية مهربه تباع وتشترى وتستخدم علناً؟! أجب علي…” وفي الحقيقة فاجئني بسيل اسئلته الواقعية والتي تعبر عن عمق المعاناة الذي نعيشها في اليمن، وعند سؤالي له عن السبب قال: إن السبب هو في غياب التمويل الكافي لتنفيذ تلك السياسة.
فمن خلال تلك الزيارة عرفت تماماً بان اليمن تحلق خارج السرب الذي يسعى لمكافحة التغير المناخي، صحيح إنها حقيقة مرة، ولكني أعتقد بان الوقت لم يفت بل في إمكاننا إعداد وتبني سياسة وطنية لمكافحة التغير المناخي استناداً لتلك الأسئلة التي طرحها المسئول في قطاع البيئة بوزارة المياه والبيئة، بالإضافة إلى ذلك تعزيز عملية الترويج لإنتاج الكهرباء المتجددة عن طريق الرياح الطاقة الشمسية واستغلال أمواج البحار، ودمج منظور تغير المناخ في استراتيجيات قطاع الطاقة، وسن تشريعات تعمل على حماية البيئة، وتوفير حوافز للمشاريع الخضراء، وتشجيع المباني الخضراء، ورفع الوعي على مستوى الأسرة بخيرات توفير الطاقة، وتشجيع إعادة تدوير النفايات الصناعية والسكنية، وزيادة المعرفة حول أثر تغير المناخ على الصحة والأمن الغذائي، وتعزيز وتمكين بحوث البيئة الموجهة نحو السياسة الوطنية لمكافحة التغير المناخي، وإنشاء عدد كاف من البرامج الأكاديمية والمشاريع البحثية الأكاديمية بشأن تغير المناخ، وإدراج مواضيع تغير المناخ في المناهج المدرسية، وإطلاق حملات توعية حول تغير المناخ باستخدام وسائل الإعلام، كما بالإمكان توفير حلول للمشكلة المالية التي تقف عائقاً أمام إعداد وتنفيذ سياسة وطنية لمكافحة التغير المناخي بواسطة إشراك المواطن فيها من خلال فرض رسوم رمزية تكاد لا تذكر على المنتجات والسلع الأساسية، وإشراك القطاع الخاص المتمثل بالبيوت التجارية من خلال إضافة رسوم رمزية على الضرائب التي يتم دفعها من قبلهم، فمشكلة التغير المناخي لا تعني الحكومة فقط ولكنها تعني كل المواطنين في اليمن وكل البشر في العالم، من أجل ذلك يجب أن تتظافر كل الجهود البشرية لوقف هذه المشكلة ذات الخطر الوجودي.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *