أطفالنا.. آلم يحرق القلب…

yemeni_kidsصراع هنا، وحرب هناك، وصياح مدوي يلفك من كل النواحي، هذا ما ستشاهده وتلمسه عندما تمر بأحياء المدن اليمنية، الاكثر حرقة وآلماً أنك سترى هذا المشهد في ساحات المدارس دون أن تحرك إدارة تلك المدارس ومدرسيها لها ساكن، هكذا تحولت ألعاب أطفالنا أثناء الحرب الدائرة إلى ألعاب عنيفة مثل الحرب والمصارعة والعصابات، التي لم تقف عند استخدام الايادي للعراك بل ذهبت الى ابعد من ذلك في استخدامهم للعصي والأدوات الحادة، بهذه الطريقة البشعة يقضي أطفالنا أوقاتهم.

لا أزال أتذكر الألعاب التي كنت أمارسها في صغري مع أبناء حارتي – الغميضة، شد الحبل، الكوفية الخضراء، قبة الطيار، الزراقيف، ربالات، كرة القدم… الخ – كل تلك الألعاب التي كانت لا تزال موجودة حتى قبل تسعة أشهر من الأن، اندثرت بفعل الأثار السلبية الناتجة عن الوضع الراهن.

هذا التغيير الملحوظ في نمط لعب الأطفال سيؤدي في المستقبل إلى إكسابهم سلوك دائم، الأمر الذي سيولد حالة من العنف المصاحب لهذا السلوك، قضية لم يعيرها المجتمع أي نوع من الاهتمام، فكل أسرة منشغلة بهمومها اليومية غير مدركة الآثار السلبية التي ستنعكس على الأسرة والمجتمع جراء ممارسة أبنائها لمثل تلك الألعاب التي يغلب عليها طابع العنف.

فريق”Synergy” هو الوحيد الذي قرع أبواب هذه القضية من خلال فيلمهم الوثائقي بعنوان “الأُم مدرسة” الذي يتطرق إلى إبراز دور الأُم القيادية في تجنيب أطفالها الآثار السلبية للحرب، فقد تضمن فيلمهم الذي تم عرضه في شبكة التعزيز المدني وحضره نخبة من القيادات النسائية والشبابية مقاطع من تلك الألعاب العنيفة التي يمارسها أطفالنا.

فيلم “الأُم مدرسة” الذي لم تتجاوز مدته أربع دقائق، لم يكتفي بعرض هذه القضية ولكن قام بعرض مجموعة من الحلول البسيطة والإيجابية والتي بإمكان كل أسرة العمل بها.

ومن هذا المنطلق فإني أدعوا جميع المبادرات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني أن تحذوا حذو فريق “Synergy” الذي أبهرني بهذا الفيلم رغم شحة الإمكانيات التي يعانوا منها، لكنهم لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذه القضية الحساسة التي تهم المجتمع ككل، ولن أعول على دور السياسيين كونهم لا يراعون هموم مجتمعنا اليمني بل هم أساس كل المشاكل التي نعاني منها جراء لهثهم وراء مصالحهم الضيقة.

فسياسيينا شقين، شق يسعى لإرضاء السعودية وحلفائها، وشق أخر يسعى لإرضاء إيران ومخططاتها، لتكون اليمن وشعبها هما اللقمة الصائغة التي يقدمها السياسي اليمني على طبق من ذهب لتلك الدولتين، فقد حولوا اليمن السعيد إلى ساحة معركة لتصفية حسابات بين السعودية وإيران الباحثتان على أرض لنزاعهما لتجنبا شعبيهما ويلات الحروب والدمار.

اليمن.. سجن كبير!

boy_inحرب لأجل الشرعية تقودها السعودية وحلفائها لنصرة عبدربه منصور هادي وحكومته، وحرب ضد العدوان تقوده مليشيا جماعة الحوثي والجيش الموالي لـ علي عبدالله صالح لنصرة عبدالملك الحوثي وعلي صالح، صراع شعاره الظاهر تحسين الأوضاع الاقتصادية والسياسية وبناء يمن جديد، ولكنه في الأساس صراع لأجل مجموعة من الأشخاص لا يتجاوزن الخمسين يكتوي بنارهم الشعب اليمني بأكمله.

هذه الحرب التي لا تزال تأكل الأخضر واليابس في اليمن وتطحن المواطن اليمني بين رحاها لم تأتي بتلك الشعارات الرنانة التي يتغنى بها المتصارعين، بل زادت من معاناة المواطن اليمني لتجعل منه عرضة لتكالب الأعباء الاقتصادية والفقر والمرض والإهانات من قبل الدول الأخرى، وما أقصده بهذه الجملة تحديداً هو الانتقاص وقلة الاحترام والتقدير لحامل الجواز اليمني في سفارات وقنصليات البلدان الأخرى عند التوجه إليها للحصول على تأشيرة سفر.

لا تذهب بعيدا في تفكيرك من قولي هذا فاليمني لا يسافر لقضاء فترة نقاهة أو الاستجمام، ولكنه يسافر إما للعلاج كون الرعاية الصحية في اليمن تفتقر لأبسط المقومات الصحية، وإما للدراسة أو لحضور بعض الفعاليات الدولية.

المواطن اليمني الذي يضطر لتحمل أعباء وتكاليف السفر إلى الأردن التي كانت تمثل المنفذ الوحيد لليمنيين بعد إغلاق جميع السفارات والقنصليات في اليمن بسبب الحرب الدائرة والحصار الجوي الخانق الذي تفرضه قوات التحالف وتسمح فقط برحلة واحدة يومياً إلى العاصمة الأردنية عمّان ليتوجه بعدها مباشرةً إلى سفارة أو قنصلية بلد – القصد – ليواجه سيل من التعامل الحاط بالكرامة.

هذا التعامل الذي يحظى به الإنسان اليمني دون غيره يولد شعوراً بعدم الانتماء والوطنية في ظل صمت تام من قبل وزارة الخارجية في الحكومة الشرعية التي كان من الأجدر بها العمل على صون وحفظ كرامة المواطن اليمني في أي بقعة من بقاع العالم، ومع هذا كله تفاجئ المواطن اليمني بقرار الأردن بتقييد المواطنين اليمنيين بتأشيرات دخول إلى أراضيها ليكون صاعقة جديدة تطل على مسامع اليمنيين الذين كانت الأردن وجهتم الأولى للانطلاق صوب باقي البلدان.

فاليمن المستعرة بحربها الداخلية والخارجية تتحول يوماً بعد يوم إلى سجن كبير يحاصر الإنسان اليمني المنسي من قبل سياسييه ويخنق أحلامه وتطلعاته وتغتال فيه الإنسانية…