العودة إلى الشوك…

User comments

تصوير: جُزيلاً القباطي

لم أكن متحمساً لفكرة العودة إلى اليمن، ولكنه أصبح أمراً واقعاً. غادرتها متجهاً صوب العاصمة اللبنانية بيروت وكانت تشهد انسداداً سياسياً في غاية الخطورة، المواطن اليمني لم يكد يفوق من الصفعة التي تلقاها في 21سبتمبر2014 عندما سيطرت جماعة الحوثي وبكل سهولة على العاصمة اليمنية صنعاء.

فقد بقى المواطن اليمني مذهولاً من هزيمة الجيش اليمني أمام جماعة مسلحة قادمة من أقصى الشمال – محافظة صعدة – تراوده الكثير من الأسئلة، أين ذلك الجيش الذي كنا نراه في العروض العسكرية؟! أين ذلك الجيش الذي كانت الدولة تقتطع من قوتنا اليومي كي تبنيه؟! أين ذلك الجيش الذي كان يأخذ النصيب الأكبر من ميزانية الدولة على حساب التعليم والصحة والبنية التحتية؟!

ظلت تلك الأسئلة وغيرها دون جواب حتى 25يناير2015 عندما وضحت الصورة بشكل كامل ومعرفة إن أعداء الأمس أصبحوا حلفاء اليوم – علي عبدالله صالح وجماعة الحوثي – في تلك اللحظة فقط أدرك المواطن اليمني إنه كان يعيش كذبة كبرى أسمها الجيش اليمني، وإنما هناك جيش علي صالح.

فذلك الجيش بُني على عقيدة إن علي صالح هو الوطن والمواطن، وبرغم من الإطاحة بنظام صالح في عام2012 بعد ثورة شبابية شعبية استمرت عاماً كاملاً، ولكن فترة عامين لم تكن كفيلة لتغيير عقيدة ذلك الجيش الذي زُرعه وترسخت على مدى 33عام من الحكم الشمولي.

فجيش علي صالح ومليشيات جماعة الحوثي تخوض حرب انتقام من شعب خرج ثائراً ضده، وتنفيذ مخططه الطامح للعودة لحكم اليمن من خلال نجله أحمد، تلك الحرب الهمجية أدخلت اليمن في دوامه وفاقمت من وجع الإنسان اليمني.

فعند عودتي إلى أرض الوطن لامست تلك المعاناة التي لم أكن أتوقع يوماً بأني سأعيشها، فلا ماء ولا كهرباء والهواتف المحمولة وخطوط الهواتف الأرضية لا تعمل بسبب استهدافها بقذائف الهاون والهوزر من قبل مليشيات جماعة الحوثي وجيش علي صالح، فأنا لم أجد في مديني تعز سوء أصوات الرصاص وانفجارات القذائف وانتشار المرض وأكوام القمامة.

فالحي الذي أعيش فيه كانت تملئه أصوات الأطفال المفعمة بالحيوية، أصبح اليوم مهجوراً من ساكنيه عدا ثلاث أسر، مثَّل اليوم الأول لي صدمة مربكة، لكني حاولت أن أستوعب الأمر وأتعايش مع هذا الوضع الجديد، في اليوم التالي لعودتي كانت السماء قد تلبدت بالغيوم المنذرة بهطول الأمطار، فإذا بأمي تعطيني نصيبي من دِبب الماء كي أخرج بين المطر لألتقي بها الماء، وبحكم الانتشار الكثيف للقناصة في حيينا لم يكن يقبل أي من أصحاب صهاريج الماء بالدخول إليها، فكنا نعتمد على مياه الأمطار.

حمى الضنك كان لها نصيب الأسد من هذه المعاناة حيث أتى ذلك المرض الفيروسي المنقول بواسطة البعوض على خمسة من أفراد عائلتي، حيث كان كل فرد من أفراد العائلة يترقب بصمت متى سيحين دوره بالإصابة بذلك المرض اللعين، فمن غير المستغرب أن ترى الخوف في عيون من يصابون بها خصوصاً في ظل تردي مستوى الخدمات الصحية، حيث قد تصبح حمى الضنك مرضاً مميت تقضي على المصاب في ظرف أربعة أيام، الأمر الذي يدفعك لإتباع كل الوصفات الشعبية للوقاية منها.

كوب من الشاي يصبح حلماً جميل صعب المنال أحياناً خصوصاً إذا كنت تستخدم الحطب كبديل عن أسطوانات الغاز المنزلي غير المتوفر، لم تمر سوى بضعة أيام حتى أتى دوري في البحث عن الحطب وإحضاره إلى المنزل كي يتم إعداد الطعام به، في الحقيقة رغم مشقة ذلك العمل إلا إنه كان يقضي على الكثير من الملل الذي يصيبني، حتى أني قررت بأني سأخصص يوماً من كل أسبوع كي أستحضر هذا العمل في حياتي المستقبلية.

لم يكن الليل أحسن حالاً من باقي الأوقات، ولكنه الوقت الذي تشعر به بأهمية الكهرباء المنقطعة، عندها فقط أشعر بدفئ العائلة عندما نتجمع كلنا حول ضوء شمعة صغيرة، نتبادل أقطاب الحديث، نستمع إلى صوت الرصاص والقذائف التي أعتدنا سماعها ونحاول التكهن بمكان سقوطها.

من كان يتخيل إنه في القرن الواحد والعشرين وفي ظل الانتشار السريع لخدمة الإنترنت والتطور التكنولوجي والرقمي، الذي سهل علمية التواصل إنه ستوجد مدينة مواطنيها معزولين عن العالم بسبب انقطاع خدمة الإنترنت والهاتف المحمول والأرضي، إنها تعز نعم إنها تعز التي تم قصف مقر الاتصالات فيها لإدخال هذه المدينة وسكانها في عزلة تامة عن باقي العالم، كي يتمكنوا من تنفيذ جرائمهم دون أن يعرف الأخرين بتلك الجرائم، هذا الفعل الذي لم أستطيع  التعايش معه، كون معظم أعمالي مرتبطة بهذه الخدمة الحيوية.

هذه المعاناة لا تعنيني أنا وحدي فقط، وإنما هي جزء يسير مما يتعرض لها الإنسان اليمني الذي اكتوى بنيران هذه الحرب الهمجية، التي لم تفرق بين الطفل والشيخ والنساء، فهذه المعاناة المُرة ستبقى راسخة في أذهاننا علنا نستفيد منها في بناء وطن للجميع يحميه جيش وطني حقيقي…

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *